بين عيد الغدير .. وبين القيادة الحقة للأسلام والمسلمين
علي كريم حسن
اليوم يحتفل المسلمون بالذّكرى الميمونة لعيد الله الأكبر عيد الغدير،الميمون والمبارك الّذي شكَّل محطّةً بارزة في تاريخ ومسيرة الإسلام والمسلمين، وسجل موقفاً من مواقف الحقّ والاستحقاق والفخر. وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بتنصيب قائدٍ للأمّة تجتمع فيه كلّ المؤهّلات العلميّة والقياديّة، وأهميّة كلّ ذلك في حياة المسلمين الذي يحدد مساراتها الدينية والدنيوية ليضعها على جادة الحق بعيدا عن كل انحراف وضلالة ،
ولقد نصَّب الرَّسول الكريم(ص) أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب(ع)، قائداً للأمّة، ووليّاً لأمورها، في الثّامن عشر من شهر ذي الحجّة العام 10 للهجرة، حيث أكمل إمام البريّة النهج المحمدي الحق كيف لا وهو سلام الله عليه مع الحق حيث قال هادي الأمة صلى الله عليه وآله وسلم ( علي مع الحق أينما دار دار معه ) فهو مَنْ بيَّن حقائقها، وثبَّت دعائمها، ولم يكن الإمام(ع) إماماً لمذهب أو طائفة، بل كان إماماً للإسلام كلّه، وعاش حياته كلّها واستشهد من أجل إعلاء كلمة الله تعالى .
إنَّ الولاية على شؤون الأمَّة، وبتنصيبٍ من الرَّسول(ص) تمثل استجابة لأمرٌ إلهيّ تكليفيّ بوجوب تصدّي الشَّخص المؤهَّل لقيادة الأمَّة، لأنَّ المصلحة العليا تستوجب بقاء الإسلام قويا شامخا يرسخ القيم السماوية التي جاءت به رسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .
لذلك اعتبرت قضية الولاية من القضايا المهمة والمصيرية في مستقبل الإسلام وقوته التي أكدتها الآية المباركة ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً( ما يؤكّد ويؤيّد اعتبارها إكمالاً للدّين الّذي يحتاج إلى الرّعاية من الشّخص الّذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام . وعلى هذا الأساس كان الحرص على وجود خليفة للمسلمين مهمة
وقد كان النبيّ(ص) حريصا على هذا الأمر ولا يمكن له ترك قضيّة الولاية من بعده للاجتهادات المختلفة الّتي قد تختلف على أسس ذاتيّة أو تقليديّة، باعتبار أنّها لا تخضع لبرنامج إسلاميّ محدّد. فالدّين الّذي قد تعرّض لكلّ شيء في أحكامه وتشريعاته، حتّى أدقّ التّفاصيل، لا يتصوّر فيه أن يترك أمر الخلافة الكبير في أهميّته ونتائجه، ولا سيّما لجهة استمرار خطّ الرّسالة والنبوّة، حيث لم يكن الوضع الإسلاميّ، وكما هو معلوم تاريخيّاً، قد وصل إلى مستوى النّضوج الكامل بفعل الأحداث الصّعبة، ما يجعل تركيز مسألة الخلافة والولاية وتأكيدها أمراً أساسيّاً في حركة التّشريع. في يوم الغدير، نحن بكلّ اقتناع وعقلانيّة وموضوعيّة وإيمان، نلتزم ولاية عليّ(ع) والأئمّة من أهل بيته، ولكنّنا في الوقت نفسه، ننفتح من موقع المصلحة الإسلاميّة على المسلمين جميعاً، لنقول لهم تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا إلى أن نردّ الأمر إلى الله وإلى الرّسول إذا تنازعنا في أمر الإمامة أو الخلافة أو في أيّ شيء، علينا أن لا نتقاتل ولا نتباغض ولا نكفر بعضنا البعض ، لأنّ الإسلام يحتاج إلى جهدنا وثقافتنا وحركتنا جميعاً.
لقد كان عيد الغدير محطّةً للتّركيز على دور وأهميّة القيادة الواعية والفاعلة في حياة الأمّة، وربطها بهويّتها الأصيلة، وخصوصاً أنّ موقع القيادة والولاية يتطلّب مؤهّلات تتناسب مع حجم هذا الموقع وطبيعته ومسؤوليّته، لأنّ القضيّة هي قضيّة من يصلح لقيادة الإسلام ككلّ، وبلوغه أهدافه الكبرى في بناء مجتمع إنسانيّ وحضاريّ جدير بدور خلافة الأرض.
و لو درسنا واقع الأمام عليّ(ع)، لرأينا أنَّ عليّاً وحده هو الّذي يمثِّل الإنسان الّذي يمكن له بإيمانه وعصمته وشجاعته وعلمه وزهده وجهاده وحكمته ووعيه للواقع وإخلاصه لله ورسوله، أن يتسلَّم الولاية، ليسير بالمسلمين .
عيد الغدير هو عيد للإسلام والمسلمين جميعاً، فيه كلّ معاني المحبّة والخير والعطاء لكلّ الواقع الإسلاميّ، وحبّذا لو تناسى المسلمون اختلافاتهم والتقوا بروح الحوار والمنطق والموضوعيّة على الوحدة والألفة، لنزع عناصر التوتّر من الواقع المأزوم، كي يكون للعيد قيمة ومعنى . تهنئة لجميع الأمة الاسلامية بعيد الله الأكبر عيد الغدير الأغر وكل عام وأنتم بألف خير ..