في منفى أنا
كتبتُ تلكَ الكلماتِ بعد أنْ أخذتُ قسطاً وافراً من الحياةِ الاجتماعيّةِ وبعدَ أنْ شرّدتُ أعوامي على طرقاتِ الزّمن،
كتبتُها بعد أنْ لجأتُ إلى أقربِ زاويةٍ نائية.
في منفى الأَنا، هنا وَجدتُ نفسي بعدَ أن أمضيتُ قرابةَ الألفِ ليلة من السّهر وبضع ساعاتٍ من الانتظارِ،
زرعتُ غرستي المتبقّية في تربةِ جرداءَ لا ماءَ فيها ولا أمطار،
هنا في هذا المكانِ صنعتُ للحياةِ حياةً،
جعلتُ من الوحدةِ صديقتي،
ابتكرت زمناً وساعةً بعكس الوقت،
في جزيرتي تلك وضعتُ رِحالي،
أخافني اللّيل قليلاً ولكنّني ألفتُ ذاك السّواد الّذي التصق بعينيّ،
أفزعتني العواصفُ بصوتِها ولكنّني تماشيتُ معها فصراعاتي لا تختلفُ عنها ولو بدرجة،
لافرقَ بينَ مجلسٍ مليءٍ بالحاقدين وبين مجلسٍ كان أهلاً للصّدى،
بين أرضٍ نباتُها لا ثمارَ فيه وبين أرضٍ لا أشجارَ فيها،
أعيشُ وحيدةً فنفسي لا تكلّفني الكثير لإرضائها فقطعةٌ من البطاطس المقليّة تسعدُها،
ولا أحتاجُ إلى المبرّرات والأسباب ولا حتّى إلى اللّوم والعتابِ والنّقاشات،
فأنا سأبدأُ من هنا، من هذا المنفى، من الجهةِ الخامسة، من القطبِ الثّالث، من الساعة الخامسة والعشرين ....
من حيث أرتاح ، وجدتني أنا المنفى