على بحرِ أفلاطونَ
وقفنا
تحت وابل الأمطار
غادرنا
دَارَنا البيضاء
الحزن كان في المدينة الخاليةِ والطرقات
تقف بعد أَنْ تساقطَ شعرُها كي تغتسلَ من حجرها
يلمع ذهبُها مع الشعاعِ القادمِ من رأسها
كانت المدينةُ المهجورةُ صلعاءَ
تقول لنا أنا
أنا أعرف من أنا
أنا أعرف أمي ومسرح ميلادي هو أنا
أنا مدينة أفناها زلزالٌ
وبعثتها أيادي أكثر مِنْ رجلٍ
هكذا صرت أنا، مدينةً منذ قرنين هنا، دون رجال ودونَ أطفال
مدينة في وجه الحجر
أحمل اسمي
فقط
أحمله على جزيرةٍ في البحر الأبيض
مسربلة بثوبٍ ذهبيٍ شفافٍ، مبللةٍ بالماء
أنتظر الأميرَ القادمَ من الكتاب
مع القصةِ، مع الياسمين، مع المطرِ
لا أتحمل وقعَ الأقدام التي تطأُ ساحتي بعد أن تركني البشرُ
لشعري الحجري
بعد أن حدقتَ في التلال التي تحدني لقرنين
وكتمتُ الهمساتِ التي سمعتها في جَنباتي وأسفلِ الحوائط
التي منها أكون
همسات لعشاقٍ تائهين
أو عشاق ببطء يصعدونَ من تلكَ الهاوية
أو عشاق يزيحون عنهم رؤية النهاية
بعد أن نمت في طرقاتي
لقرنين
يؤلمني وقعُ الأقدام
وقرص الشمس حجري وزهرة وأيقونة حمراء
تسكن قلبي حيث كان الدمُ يذهبُ مع الريحِ والعاصفة قد تَحملني
إلى كفيه
التي سأرقصُ عليهما وسأكون صغيرةً، صغيرةً وسأحمِل
المفاتيحَ وأصابعي
وسوف نُرجئ الزفافَ إلى ما وراء الزمن
بعد أن نخترق حائطاً يحد بين النهايات واللانهائي الأزرق
حائطاً يقع خلف مجرة اللبن
على حافةِ بحيرةٍ من الزئبق
نلتقي عندئذ بالأموات
كي لا نموتَ
وراء حائطِ الزمن سنسقط ثانيةً في قلبِ مدينةِ الحجرِ
وسيكون لنا بيتٌ تَحدُّهُ حديقةٌ بيضاءُ وأكوابٌ من الكريستال
وشجرةُ برتقالٍ
ونافورةٌ على سطح جبل
وشاطئٌ يطل على بحرِ الأمكنة
وقصيدةٌ نكتبها مع صدى الأقدام
ونافذةٌ من قطع الزجاج الملونة
حين يكون كل شىء هو الشىء الوحيد
هو قصوى الأشياء
هو في النهاية
منزل واحد فقط
له شرفةٌ واسعةٌ تطل على اللازمان
صفاء فتحي
مصر