منذ أن توقّفت عن الكتابة، توقّفت عن كوني أنا. لا أدري لماذا لا أكتب. الأدب يصطدم بجدران قلبي لكن ليس على شكل كلمات. يمكنني الإحساس به، والاهتزاز جرّاء اصطدامه - جسدي كلّه يرتعش - لكن لا يمكنني كتابته. لماذا؟ متى؟ أين؟ كيف؟ الجواب الصحيح ليس مهمّاً، المهمّ هو السؤال الصحيح، والحقّ يقال، أنا لا أملك الأجوبة ولا الأسئلة. ربّما هو العمر، لكن أيّ عمرٍ هذا؟ عمري اثنتان وعشرون سنة، أنا شابّة جدّاً، فلماذا أشعر بهذا العجز؟ بهذه الشيخوخة؟ أرى روحي تسقط منّي، وكلّ ما يتطلّبه الأمر لإنقاذها هو أن أمدّ يدي، لكن أنا تعِبة جدّاً. لا أستطيع أن أمدّ يدي، أو لا أريد. فقط ألقي رأسي على الطاولة الخشبيّة، وأشاهد روحي تسقط، أشاهد نفسي تسقط. هل كان الإله يشعر بهذا وهو يشاهد لوسيفر يسقط من السماء؟ أليسا في النهاية وجهين لعملة واحدة؟ جميعنا نحمل وجوه القداسة والعصيان داخلنا. جميعنا آلهة وشياطين نائمة، وأنا أفضّل الإله النائم على الشيطان النائم. الشيطان يبقى شيطاناً، الإله هو من يفاجئك. أريد أن أبكي، لا أبكي. لا أعرف لماذا أكتب. الآن، نحن في الخريف، لكنّنا ما نزال في الصيف، لا أعرف كيف. أنا لا أحبّ الأشياء التي لا تأتي في وقتها. كتبت أومن، ثمّ شطبتها؛ الإيمان كلمة كبيرة جدّاً علي، أفضّل الاعتقاد، الظنّ الساذج البسيط. إذن أنا وظنّي الساذج البسيط نعتقد أنّ المكان يرتبط بالزمان، أي أنّ لكل شيءٍ محسوس وقتٌ خاصٌّ به. للأشياء أوقاتها، ولا وقت لنا البتّة، نحن كائناتٌ هلاميّة متطفّلة تقتات على أوقات غيرها، وعلى حيوات الأشياء. أدرك هذا الآن لأنّني أرى كلّ الأشياء حيّة أكثر منّي. أنا الجماد الوحيد في الغرفة. لماذا نملك القدرة على التفكير؟ أظنّ أنّ هذا جحيمنا وعذاباتنا المستحقّة. أفكّر كثيراً لكن لا أستطيع لمس ماهيتي. من أنا؟ ما هي الهويّة؟ وما هي هويّتي؟ لقد تنقّلت كثيراً بين الأشياء، ولم أجدني. عبثيّة، وجوديّة، عدميّة، سوفسطائيّة، رواقيّة، سارتر، هايدغر، دوبوفوار، الأدب، الفن، الجمال، النقيض، أنا كلّهم، لكن لست أنتمي لأيٍّ منهم. أشعر أنّني أعيش في الماضي، في ماضيّ أنا. لا أستطيع تذوّق البهجة، فهي مجرّد ذكريات قبل أوانها. عقلي يعمل بطريقةٍ مختلفة، طريقة بشعة وموجعة. عندما أرقص، لا أشعر أنّني أرقص، أشعر أنّني رقصت، وأنّني الآن أتخيّل ذكرى تلك الرقصة، فأحزن. سئمت الماضي. أريد العيش في الآن ولو هنيهةً مسروقة من العمر. لن يعرف أحد. الأمر كأن يكون لديك سلّة من العنب، وعندما تشيح بنظرك، يسرق أحدهم حبّة عنب واحدة، لن تعرف، لن يعرف أحد، حتّى السلّة لن تعرف، وسيظلّ العنب يبدو كما كان، وأنا أريد هذا، أريد أن أكون السارق، أن أسرق حبّة عنب واحدة من الآن، من اللحظة، ولن يعرف أحد، لكنّني سأعرف أنّني عشت، وآه كم أريد أن أعيش؛ كم أريد أن أقول إنّني عشت!
من مذكّراتي - ٥ أكتوبر ٢٠٢٠