جسد آخر
لم يكن جسدي غريبا كما الآن
كنت لا أحب تشكيله في كتاب الهندسة
خطوطا مستقيمة ومتعرجة ومغلقة
كنت أريده حرا
كحراشف سمكة أو كغابات آكاسيا
كان ينساب على الماء كزهرة أوركيد
وينساب الماء عليه كنهر عظيم
وهو يشق ضفتيه الخضراوتين
كانت الشمس تمد يديها فوقه كل صباح
تمشي داخله
حتى يراق النور في أوردتي
وتتفتح زهرات خدي الورديتين
الملاك الحارس
كان يراجع عدد منحنياتي كل ليلة
يسند رأسه إلى كتفي
ويتمتم أغنية الارض والسماء
الأطفال الاشقياء
كانوا يسترقون الهمس وراء نافذتي
ويرسمون أقواس قزح على ظهري العاجي
حتى .. يتلاءم مع قمصانهم الملونة
الرجال الملعونون
كانوا ينظرون تحت التنورة القصيرة
حتى أحس بأنفاسهم الحارة
على زغب ساقي الغضتين
لم يكن جسدي غريبا كما الآن
لم تكن تعلوه جذور أو جداول قاحلة
لم يكن مضطربا كمخمور يبكي وحيدا آخر الليل
لم يكن وجلا كطفلة قروية على الشاطئ
ولم يخسف ورقا على جلده .. منذ البداية
لم يكن جسدي ..
بل جسدان متحدان يكبران سويا
أحمل دبيب النمل في صدري
أرفع الحجر الصلب على ظهري
أرسم الكفين والساقين
والوجه الظريف
أحتفي بالخلق وحدي ..
ولا أشتهي ..
نهرا ولا غابة ولا شمسا ولا زهرا ولا رجلا ..
لم يكن جسدي حبيبا كما الآن
وأنا أحمل داخله نطفة ضوء حارة
تتسع على الظلمات
وتكتسح قلبي ..
أطفو .. على تجاعيد بطني الجديدة
ودموع النهار والليل والضحى
أمشي إلى الأمام
وأنا أقشر أفكاري السوداء
أمشي إلى الوراء
وأنا أركن الأصوات الرقيقة في الزاوية
أمشي إلي
وأنا أغلق بابا قديما ..
كان في الماضي بلا أقفال.