وحدها أمي
تعرفُ كيف تزرعني
وأنا أرض محروقة..
*****
كانت أمي
تأتي بطحين آلام المفاصل
وتضيف له حليب المرارة
مع رشّة سكرٍ من داء السكري
وقليل من التهاب الأعصاب..
كانت تعجنهم بشكلٍ جيد،
لتخبز لنا الفرح..
تُخّمرها جيداً لتكبر
وتكفينا جميعاً..
كنا نجلس حولها
نأكلُ الفرحة
تلو الفرحة
ساخنة وطازجة..
إلا هي!
لانشغالها بنا..
لم تتذوّقها
إلا باردة ويابسة..
*****
لا أعرف لما أكتب الشعر
أنت أمامي ها هُنا وذلك شعر بحد ذاته
هل لخدر اليد علاقةٌ بالأمر
أم أن ضُرّتك الكلمات
التي تحوم في الرأس كذبابٍ حول جيفة..
الكلماتُ تنغز في الجلد مثل الأُبر
صدقيني لستُ أنا من أكتب حين أكتب
أتحوّل لشخصٍ آخر
أعرف أني غير مرئي
شخص ما يمسك بيدي
ويكتب عني
يتحدّث عني أيضاً
حالة تأمل تامة
أُُغمض وأُتمتم
مرّة واثنتان وثلاثة وربما عشرة
هنا.. أراك مذهولة وأنت تقفين إلى جانبي
حاملةً فنجان قهوتي الذي برد
حدّ برودة أعصابي
حسناً.. أعيدي تسخينه يا عزيزتي
لم أكن معك
مشواري طويلٌ جداً ولو لدقائق
أراه بعيداً ولو كان في آخر الممر
ولو كان بين عينيّ..
وأنت واقفة هناك لا تخترعي حركات تُلفت النظر
قد تقع عيناي على عينيك
وقد أبتسم لك أيضاً
لكن تأكدي بأني في مكانٍ آخر
وفي زمانٍ آخر
قد أكون في ملعب كرة قدم
أو مع الفراعنة
أو في الحرب العالمية الثانية
أو في غرفة فندق مع مومس
قد أكون في الشتاء
تحت المطر أو فوق غيمة لا فرق
أو أكون في الساعة السادسة من يومٍ مُشمس
لا تغاري ولا تنفعلي
أنت مُلهمتي وحبري السريّ
أُحبك.. وهذا كافٍ جداً لي
لأعرف لما أكتب..
"من مجموعة نصوص هلوسات" وخاص بشريكة حياتي..
*****
أمطار القصائد..
رتّب الكلمات فوق بعضها
واصعد الدرجات..
تشبّث بأول غيمةٍ تقابلها
ولا تدعها تُفلت منك..
فلربما هي من تكون
المحّملة بأمطار القصيدة..
إن هطلت الأمطار!..
لا تستخدم أبداً مظّلة..
اتركها تبلّل مخيّلتك الجافّة
وتروي عطش صحراء عقلك المُتفطّر..
ستُهاجمك بعد ذلك حمّى القصائد
سترتفع حرارة دماغك
وتسري القشعريرة إلى يدك
وتنخفض حرارة الحبر
وتصاب بتعرّق الكتابة..
سيغلي قلبك
ويفور دمك..
ستهذي كالمجنون بالكلمات
وتُهلوس باللّغة
وستسيل المعاني بلا عودة
ستلحق بكلمة من هنا
وترجع بأخرى من هناك
ستكتب بخطٍ غير مفهوم،
لتلحق فكرة ما..
وإن لزم الأمر،
وتعبت من المطاردة!
إسحب مسّدسك المحشوّ بمهدّئات التوّتر
وأطلق النار عليها من الخلف ببرودة أعصاب
كي لا تغادرك..
أنصحك بفأس مشاعر حادّ
أُدخل به الغابة
واقطع كل حرفٍ يصادفك..
لا تتردّد وكُن قاسياً..
حتى إن كان الحرف مشلولاً
إقطعه..
سيتعافى فيما بعد..
لكن إن لم تهطل!..
أفلتها،
وستدفعها رياحٌ عاتية كالصُداع
لغيرك..
هناك من هم مثلك
يقفون على عتبات الكلمات
ينتظرون الغيمة ليتشبّثوا بها..
ستصبح مكشوفاً للشمس..
إفتح المظّلة حينها
واحمي رأسك الجافّ
ولسانك الجافّ
وقلمك الجافّ
من ضرباتها..
وانتظر غيمةً جديدة
محّملة بأمطار القصيدة..
"مكرر حيث أن الأم شعر والشعر أم"