أمعنت النظر في الرطوبة، التي تمتدّ فوف رأسي كغيمة من الأحجار؛ مددت يدي أنبش عن نظارتي بين جثوة أعقاب السجائر، التي هي مضاد لخسائرنا
تراجعت؛ فلا رغبة لأن أرى الأشياء بوضوح، لا بأس بوجوه ضبابية، في حيّ لا يستحقّ الدقة والصفاء.
في أيام البؤس لا فرق بين الشروق والمغيب
سوى تمريرة حلم ربما تحمل ترسبات سلام.
نزلت السلالم، وصخب الجارات يودّعنَ أطفالهُنّ للمدارس يصدح المكان؛ فنحن أبناء المواعيد التي تغتالها الموت ولقاءاتنا كلُعبة مقامر في جولة حسم.
عند مدخل البناء صادفني طفل في الخامسة من وجعه
في يده علبة أكلَتْ نصف جسده الصغير يمشّط الأرصفة، ينعتي طفولته كعجوز على كتف الانتظار
تجاهلته، ومضيت وأنا أستعيذ من وجهك يستحوذني
وددت لو أصفعه كإمام يكسر منبّهاً تسبّب في إيقاظه للصلاة.
حرّكتُ أصابعي داخل جيوبي الفارغة تحسّست عملة ورقية مكوّرة ملتصقة، وكأنها استحمّت مراراً مع البنطال
خمسمائة ليرة تكفي لكوب قهوة ترخي قبضة الحنين على عنقي؛ استوقفني صوت متحرّج ينادي: «من مال الله يا محسنين»
نياط صوتها الباكي استفزّ مكامن الوجع بي؛ كانت كسيحة نحيلة، الفقر يمطّر من محيّاها وجنين مقمّط بين ذراعيها
قالت: «حسنة لوجه الله»، وهل سباقنا للموت من الحسنات؟
اقتربت منها لتضح الرؤية أفجعني الحزن الجاسم في عينها، ونكئت بجراحي توسّلاتها
كانت كوجه انكساراتك يوم الوداع
يوم أمسكتِ بيدي تتقيئين الحلول، وتلدين ألف أمل هزيل من رحم المستحيل، أدرت لها ظهري، كما فعلتُ بكِ
أدلفت لداخل المقهى، وصوت فيروز ينادي دون تقاعس «وينون صار في وادي بيني وبينن»
لم يجهض المسافات حبّنا يا سيدة فيروز
لم يفرقنا، لا وديان، ولا جبال
بيني وبينها تقاطع طريق، وفرسخ قدم وأكوام من الحنين
لكن ماذا لو كان بيننا هذا الصباح أطفال
ببطون خاوية، وأبدان تكسوها خرق من قماش
في وطن نحن فيه حشوة بنادق وفوارغ رصاص...
#أفين_أوسو