أنا فِي السَادِسَةِ والثَلاثِين؛
تبَّاً لَك أيُّها العُمُر
كَيفَ تَسرَّبت مِن الأصَابِع،
وعَبَرتَ بِسرعَة
دُونَ تنبِيه،
أو أن تضع شَارة عُبُورك..
كِلانا على هَذِه الأرض
نَحتَفِلُ بِالأوجَاعِ،
وزمَنِ الحُروب والنُزوح،
والسَفر إلى المَجهُول...
أنَا وأنت
ارعَبتنا الحَيَاةُ الضَيِقَة الأفُق،
الحَيَاةُ المُزريَة في أوحالها،
وأصبحنا مُبتَذلِين كَمَا الآخَرِين..
عَلينا أنْ نَعتَرِف
لَيسَ لَدينَا مَا نَفعَلَه،
لَيسَ لَدينَا أي هَدَفٍ واضِح،
لَكِنَنَا نَجلِـسُ بَعِيداً
نَمضَغ الفَراغ،
ونَكْتُبُ القَصَائِد،
ونَتَسَامَر فِي اللّيل الطَويل،
الليلُ الذي يَجعَلنَا نَرتَجِف،
ونُفَتِشُ فِي الأنحاء
عَن آخِرِ مَحطَةٍ للسَهَر،
وأول وسَادة للِنوم...
تَبَّاً لَك أيُّها العُمُر
رَحَل الكَثِيِرُون
على عَرَبَةِ المَجهُول،
ولَم يَرجِعُوا بَعد..
حَسبوا أنّهُم سَيعُودون
ذات يَومٍ،
لكِن ذلك لَم يَحدُث..
أشْعُرُ أنني أتَسَاقَطُ،
وكُلُ الأشْيَاء مِنْ حَولِي تَتَدَاعَى،
ولَم أعُد أتَذكَرُ شَئ،
سِوى تِلك اللحَظَات الأولَى
التِي سَقَط فِيها رأسِي
لأول مَرة على الأرض،
حِين دَخَلت بَاب الحيَاة
ومَعِي الكَثِيِر مِن الأحلام،
الكَثِيِر مِن الورد
وهَا أنَذا أنتَظِرُ الخُروج حَافِي القلب..
تَبَّاً لَك أيُّها العُمُر
مَا الذي كَسَبتَه مَعك؛
الحَيَاة البَائِسَة،
الأيام التي تَعبُر كَالبَرق،
الأحلام التي ركَضت إلى جَهة الغرب؟!
والآن هَا أنَذا
لا أجدُ أكْثَر مِما أستَحِق،
وأنت أيُهَا العُمُر لا تُقرِر أيُّ شَئ..
تَبَّاً لَك أيُّها العُمُر،
أيَتُهَا الذاكِرة المَثقُوبَة،
الذاكِرة التَي أفرَغَت مِنْ قُرصها
ذكْريَات الطُفُولة،
القَريَةُ والخُضرَة،
الجِبَالُ والهِضَاب،
المديِنَةُ التي سَافَرتُ إليها لأول مَرة،
اليوم الذي ولدتُ فِيه،
قِصص العِشق،
الأصدقَاء الذين قَابلتهم،
وسَنَوات الشَبَاب..