مكاشفة في النص الشعري في ديوان دَمِّي بَنفْسَج للشاعرة هالة نور الدين
بقلم محمد خالد النبالي :عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين
بداية علينا أن ندرك بأن القراءة ليست وليدة اللحظة أو جاءت بالصدفة , اذا ليست فسحة أو لعبة , بل هي مشروع نابع من الذات يندفع من السيكولوجية أولاً والناقد لا يكتب من فراغ بل من رسالة أدبية وانسانية بحتة ولأنه يحمل هذه الرسالة لعشقه للأدب أولاً وما يشد الناقد الحقيقي اللغة والفكر ومن ثم الوهج والإبداع الموجود في القصيدة او الديوان وقراءة قصيدة مختلف عن قراءة ديوان مكتمل , وما جاء إلا من نزف الكاتب وتفريغ طاقته الإبداعية ومستوى العمق والفكر والرؤية التي ينظر اليها الكاتب ومن هنا تاتي المسؤولية أن نعطي الديوان حقه في القراءة وهذه مسؤولية الناقد باستحضار الشاعر والقارئ معاً والغوص في تجليات الإبداع . وللإبداع الحقيقي نشوة وجاذبية خاصة , وخاصة في الشعر المميز حيث تتداخل الرمز والصورة الشعرية مع المضمون وخاصة اذا حقق للقارئ الوهج والدهشة الشاعرية والتي تخطف الأنفاس وتصنع عند القارئ زلزلة والتي اسميها زلزلة الدماغ فالشعر يجب أن يزلزل المتلقي يزلزل الدماغ وإلا فهو ليس شعراً .
كان لا بد من هذه المقدمة البسيطة في دور الناقد ومدى تعامله مع النص الشعري والتعامل مع الفكر بغض النظر من صاحب الديوان .
ومن خلال قرائتي لديوان "دمي بنفسج " للشاعرة هالة نور الدين كان الحس الصوتي حاضر للشاعرة والتوحد مع النص اثناء كتابتها وهنا قمة الإبداع ان نتعايش مع النص والحدث ونستشعر بالحالة النفسية اثناء القيام بالعمل أو كتابته وهذا ما شعرت به وأنا اقرأ الديوان فهي تعيش عالم فيه السمو الروحاني, عالم فيه فن وإبداع باذخ , وتملك كل أدوات وخيوط الإبداع وأساسيات وموقومات الإبداع الأدبي .
والشاعرة هالة نور الدين اختارت عنوان ( دمي بنفسج ) وهذا العنوان فيه قمة الرومنسية والحلم وفي طياته دلالات كثيرة وثرية ومثرية للفكر انما يدل على شخصيتها الحالمة بالرومنسية والحياة الأجمل والبحث عن الأفضل والسباحة في الخيال ولعل اللون البنفسجي كثير ما نسمع به ونجده في كتاباتنا فهو رمز للجمال له انعكاس ظل على نفسية الشاعرة لرقته ،
وله قدرة عجيبة في التأثير على نفسيتها وشخصيتها المرهفة الاحساس , والبنفسج زهرة تعشقها النساء ونجدها بجانبها دائما وعلى قدر رقتها إلا أنها تحاول الحفاظ عليها حتى لا تتكسر كما هو قلب الشاعرة هنا بهذا الديوان والتي تسعى للحفاظ على مشاعرها وانسانيتها وعلى وفائها أولا وللحب وللقلم وكانت متواترة في كتابتها النصوص الشعرية من خلال الايجاز والتكثيف المتقن جدا والرمز العقلاني والانزياح اللغوي الراقي والغموض المحبب ، كل ذلك تمثل بخلق الصورة الشعرية والتشبيهات التي لا تليق إلا بفراشة كشاعرتنا فكانت كالفراشة عندما تلامس الزهر لا تجرحه وهكذا كانت في كتابتها النثرية حتى في حال عدم الرضا وحالات الغياب والفقد والحزن لا تجرح بلفظها أي شخص معني وحتى في بعض النصوص الوطنية ووجع الانسان بقيت متماسكة ودون الخروج عن المألوف بالعبارة الشعرية ودلالتها ,
واشير بأن الشاعرة من خلال رقتها الملموسة وعذوبتها كانت تحمل برائة الطفولة الحالمة وهذا العشق الصوفي المتناهي في خمائل الحرف عشق حد الزهد وما هو إلا خيال شاعرة وحلم وأمنيات فالشاعر كما قيل لو لم يجد الحب يخلق الحب وهذا ما كان من هالة نور الدين وبلغت ذروته التماهي في عشقها حد الغرق ودون تكليف بالنصوص الشعرية فكل عبارة لها مكانتها وكل مفردة جاءت من بلاغة ومعرفة .
وترافق الحس الصوتي بالنفسي من خلال استعارة الفكر وهي تعانق الضوء ومن هنا امتلكت شاعرتنا غواية الانوثة ووصل العشق ذروته في نص متزن بعيد عن الابتذال . وكما نلاحظ أنها اختارت الماء والمطر عدة مرات وكأن العشق كالماء فهو شريان الحياة ووضعت الكثير من هذه المفردات بالاضافة للزهر في قالب شعري راقي ودلالة الماء والمطر ما هي إلا حياة بكاملها فهذا هو عشق شاعرتنا لا يتوقف ولا تعرف الاستسلام . وذكرت مفردة النبوءة عدة مرات وهنا كأنها نبية العشق فهي تشعر وتعرف في الأمر قبل وقوعه هنا تجلت الروحانية في قلب الشاعرة واقول كانت نبية الغرام والإبحار في عالم السمو والعذرية كل ذلك جعلها تسمق بالقصيدة النثرية والتي تمتلك الشاعرة خصائصها فتجلى النثر بحداثته بأجمل حلة تستحق منا التقدير و الاحترام .
وأشير من خلال معرفتي وقرائتي للكثير من الشعراء وفي مصر أجد أن الشاعرة تعتبر من القلائل الذين يجيدون كتابة قصيدة النثر في مصر ،
وهم قلائل بالنسبة لباقي الوطن العربي وهذا ليس انتقاسا من الأخرين بل لأن الشعراء المصريين أبدعوا بالموسيقا ويعشقونها وأبدعوا بالعامية ولكن شاعرتنا اختارت القصيدة النثرية حتى تتميز فخلقت لنفسها هوية خاصة في عالم الشعر وليس في مصر وحدها بل في العالم العربي فعندما نقرأ نص دون تذييل النص بألاسم , نعرف ان هذه هوية هالة وهنا تحقيق لذات الشاعرة تسجل لها ، فالشاعرة خلقت لنفسها هوية بالعشق وحتى بالمفردات اللغوية والصور الشعرية والرمز والتكثيف المتقن فكتبت قصائدها مكتملة وهي تملك خصائص النثر ومع الحداثة .
وابتدعت طقوس وشعائر محدثة في النثر واختارت الفناء في العشق ومع آهات الدلالات التي وفرتها في كل عنوان من عناوين القصائد حتى بتنا نشعر بالعبادة في قصيدة دمي بنفسج .
والشاعرة هالة بطفولتها وبكلماتها ومعانيها فإنها تحاول ان تخفي ثقتها ودلالها وافتتانها بذاتها فاذا دخلت في العمق تجدها تنحت لوحاتها من اللغة وهذا يزيد المتلقي لاكتشاف الشاعرة وما تخفيه في ذلك القلب ولأن الشاعرة ذكية تخاف الاعتراف والإقرار بأنها أميرة في قبضة الغياب وان العبادة لله ولا يمكن ان تكون للذات وهنا تمكنت الشاعرة من نسيج اشراقات شعرية متناهية في الجمال اللغوي ,
والحب عند الشاعرة ليس مجرد عاطفة كبيرة بل سعت الى التوحد مع الروح والشعر وهذا ليس شعارا للارتواء والانغماس في نزوات ولكنه قراءة للذات ودائما نجدها تفتح باب الأمل وهي تجربة صوفية متفردة وتملك قدرة خيالية واسعة حتى تفيض علينا بجميل النثر في حالات الفرح والحزن واوجاع المرأة بشكل عام .
وفي قصيدة (مُفْرَدَاتُ الضَّوْء) يبلغ العشق مداه في حالة من الغياب والوجع فتقول الشاعرة هالة
############
هُنَا ... أشْطُرْ قُبَةَ الفَرَاغِ الطَّوِيلْ ..،
سَلْ المَزْنَ .. عَنْ سِرِّ المجَازِ العَجِيِبْ ،
فِي عُنْقُودِ الوَدْق .. كيْفَ يُرَوضُ الأنَّةْ ..،
ويَعْبرُ بكَ لـ آيَةٍ فِي زَمَنِ الوَعِيدْ ..!
############
وتشير هنا للانشطار الروحي في قبة الفراغ نتيجة النكران وتستغيث بقولها سل المزن الى ما نهاية في زمن الوعيد قمة التجلي في حالات تشظي النفس وتكمل المعاناة بقصيدة اوها المطر ,
############
هَذَا المَائِلُ عَلىَّ جِذْعِ غَمَامِه ..
لمْ يَعْلَمْ ..
أنَّه حَبَسَ الظِّلَ فِي قَدَمِه ،
ونَفَخَ فِي رُوحِي شَمْسًا ..
############
وهذا العابث المائل على جذع غمامة تصوير مذهل لم يعلم ذلك الشخص انه حبس الروح وهي تتبع قدميه هنا الوفاء بعينه من الشاعرة ورغم كل ذلك تقول نفخ في روحي شمسا مناجاة بلا حدود ووصفا حقق الدهشة ,
والشاعرة تحلم وتتمنى بعشق يليق بقلبها وعليه ان يكون استثناء و إلا فبلا ، فلا ترضى بالقليل هذه الاحلام الكبيرة تصفها في قصيدة لأنك استثناء بقولها ,
############
لـ أنَّكِ اسْتِثْنَاء ...،
أُوْحى إلىَّ بـ النُّوُرِ
عَلَّى نُبُوءَةِ أنَامِلك..،
أثْمَرَتْ شَفتَاي ...
فِي ظِلِّ المَسَافَة ..؛
لـ أُعَلقَ كَفِي بـ عُنقِ سَمَاءْ ..؛
أشْرَبَ سِرَّ الهَدَأة ..؛
وأُحَلِقَ بـ صَلَاةٍ ..
############
ومفردة النبؤة تكررت كثيرا في قصائدها لتعلن أنها تعرف الأمور قبل وقوعها وتتجلى في التحليق بالعاشق المنتظر ويصل ذروته حتى الصلاة في محراب العشق
وفي قصائد تقول ,
############
( اللَّيْلُ حَنينٌ أوْفَى )
غَائِبَان
فِي كُلِّ الحَكَايَا،
نَتَلاقَى
عَلَّى تَمَامِ النَّوَى ،
مُوصَدان ...
كمَا الصَّبْرِ العَتِيقْ،
يُشَيدُ فِي الأضْلاعِ
رَحِيلاً أخْرَقْ ..
-----
أيُّ قَيْظٍ ...
يَخْطِفُ مِنْ كَفَيّه الطَّرَاوةْ ...!
لا ضَوْءَ يَسْترُ
فِيَّ العَتْمَةْ ...
لا خُطَى ...
تُفْسدُ طَعْمَ المَسَافَة،
والأمَاسِي ..
وَغَىً ضَرِيرْ
############
وتكمل روائعها في درة القصائد دمي بنفسج وتصدح ترفا في التجلي الروحي والشعري بقولها
############
( دَمِّي بَنَفْسَج )
أيَا أنْتَ
يَا نَجْمَ اسْتثنَاءٍ لا يَضِل ...
يَا مَاهيَةَ المَاءِ ،
فِي مَهَبِ الظَّمَأْ
دَمِّي بَنفْسَجْ ...،
يُهَنْدمُ الصَّلِيلَ ، فِي غُضُونِ جَمْرِك..،
يَغْسلُ مِنْ رَأْسِكَ
شَتى سُلالاتِ الرَّنِين ..،
يَرُدُّها فِي فَمِكَ ، دَهْشَةَ كَوْثَرْ
تُعَانِدُ مَزَالِجَ الظِّلْ ..،
تَفْتَحُ بَابَ الصَّبَاحْ،
فِي ذِرْوةِ الارْتعَاشَةْ ..
------
دَمِّي بَنَفْسَج ..،
أُبَّهَةُ الأطْيَافِ ..
فَوْقَ مَدَى حَنِينِي يَتَسَامَى ..،
يَعْرُجُ لِقُبَّةِ نَيْزَكْ ..،
يَشْرَبُ مَاءَ البَلْبَلةِ .. ويَطْغَى .
############
وهنا : حينما يبلغ العشق ذروته و منتهاه ، ونتربع على قمة العرش العالية ، يشعر الانسان بنشوة مميزة ، وكأننا نملك كل الفضاء الفسيح ونستسلم لغواية الحب والشعر وتضج النفس بالفرح والانبهار نتيجة هذا النهر المتدفق من خفقان القلب
ويستمر مطاردة أحلامنا وتعيش معها ومع الألم والشوق والحنين ولا نفتك منها لاننا نريد هذا العذاب الناعم والألم اللذيذ ، وكأنه يزيدها قوة وأملا وتمسك باظافرها بهذا الحب الكبير العنيد والتشبث بالأمل .
هكذا يأتي الشعر ...
وبوح العاشقة من نثريات شعرية عملاقة رغم الايجاز فالشاعرة تركز على الكيف ، اللغة , المفردة ، المعنى ، التعابير ، الاستعارة المكنية , الرمز , الانزياح اللغوي , والصوفية , والعاشقة الحالمة , والصور الشعرية المتميزة , التي عودتنا عليها الشاعرة هالة نور الدين ، ويغلب عليها طابع المعرفة والدراية ويدل بانها قارءة من الدرجة الاولى فالقراءة نتعلم منها ونكسب المفردات الشعرية ، فالشاعرة هالة امرأة أنثى وطفلة تحلم دائماً وفي جعبتها معجم لغوي كبير زاخر والغني بالإشارات الكثيرة والدالة على أنوثتها الاستثنائية ,
إن توظيفها للفلك والطبيعة والماء والزهور والجسد ، هذا يعني إخضاعها للظواهر النفسية .. مما يجعلنا نستعذب موسيقاها الرومنسية والصاخبة في اخرى ، حتى نكاد نسمع همساتها الدافئة وصرخها حد الصياح .
ولهذا فان عالم الشاعرة هو عالم خاص تستمد منه موسيقها , فتراها تجيد العزف على كل الألات الموسيقية ، وهذا العالم الذي تستنشق فيه عبير الحب والحرية .. وبروحانيتها تكتشف أسرار الكون , عالم سحري في ليالي السهد والوحدة والليل الذي يتوسطه القمر ويكون السيد وراعي لكل العشاق , ومع الصباح تندثر كل تلك الأسرار وتتلاشى وتذوب في لجة النهار الصاخب والشمس الحارقة فالشوق والوجع يحضر ليلا وهي ليالي الحرمان , ونعيش النهار مع الحلم .
الحب حالة خاصة لديها : يجعلنا نحس باننا في عالم آخر ، شعر محلق حد العنان معانقا السحاب كما أن الشاعرة تصبو للنسيج وغزل قصائدها بخيوط من حرير كي يبدو متماسكا جبارا , والنصوص متنامية , فهي تبحث عن حافزا من أجل عزفها على لحون مفعمة بالدفئ ,
وتضفي أحيانا على اللوحة مسحة من الحزن .. فهل يأتي المطر ..؟
و أحيانا في بعض قصائدها نرى بأن الجرح أصبح عميقا ولا دواء وأسوار الألم لا يمكن ان نتخطاها ,والنزف متدفق وغزير .
لكن هالة برومنسيتها وهدوءها تمسك بزمام الامور والقلم ولا تجرح ابداً فنرى أن القصيدة هي من تكتبها , والشاعرة تتطلع إلى الخلاص والانسلاخ عن ذاتها الموجعة . و تنتظر الراحة بإشراقة جديدة في حياتها , فقد ملت الهجر والنكران وصمت الأخر , مازالت عطشى إلى عشق متدفق كالنهر وتبقى استمرارية الشوق والحنين والرغبة في انصهار الذات ...
حتى بات بأنه لا يمكن للشاعرة الانفصال عن النفس ولا التخلص من مشاعرها الجياشة والتي تلح عليها لحاجتها لحب متفرد لم يخلق بعد وللحب لون البنفسج ورائحة عطرها النادر وقد ادمنت لذة الألم وصهوة الاحلام وانعتاق الروح وانصهارها في بوتقة بؤرة الجرح وبوتقة البنفسج حتى يصبح دمها بنفسجي اللون. والمكاشفة الرؤيوية في ديوان " دمي بنفسج "
تقودنا للحداثة والتي منحت هالة نور الدين حرية واسعة في توظيف انفطار القلب بقالب شعري ما بعد الحداثة بكل ذكاء وبراعة مدهشة ورغبة في داخل الذات لتحدي النفس وتحدي كل النظم بالواقع وتكسير كل ما هو تقليدي في اللغة وها هي تعلن الولوج لعوالم أوسع من أجل إعادة هيكلة الشعر التقليدي من وجهة نظرها وأظن أنها ستنجح وتحلق عاليا في عالم النثر ,
############
قِطارَان .... نَحْنُ
نَحْنُ .... قِطارَان
عَلَّى صَعِيدٍ طَازَجْ ..،
نَصُكُّ الهَوَاءَ ،
لـ قِبْلَةٍ تُوتيْةْ ..
نَمُطُّ الوَقتَ ،
عَلَّى كَتِفِ الزَّمَنِ المُحْتَالْ ،
يَأْلَفُنا بَريقُ خَاطِرْ..،
يَدِقُّ جُذُورَ الانْطِفَاءْ .
############
وتأخذنا في رحلتها على متن قطارها والدم يتفجر عطراً لأبهى صورها الشعرية " لقبلة توتية " من "دمي بنفسج " حتى تدق جذور الإنطفاء ونمضي مع رائحة البنفسج المتزج بقبلة تحمل معنى الحب والتوق والحنين مما يملؤنا سلال اسئلة من أنوثة تضج عشقاً حتى يصاب الملتقي بالتشظي لهذه الصور الشعرية وهذا الولوج صراحة وتزلزل الأدمغة وهذا هو الشعر يزلزل واستطاعت عن تزلزلنا هذه الشاعرة وتحقق عندنا الوهج والدهشة والصدمة الشعرية , وهذا البنفسج يذوب بين شفتيها شهداً من النثر ,
وخلال قرائتي ديوان "دمي بنفسج " للشاعرة هالة نور الدين وجدت أني أعاتب نفسي على قلة البحث عن كتابات تخص المرأة الرقيقة والشفافة والتي تحمل على ظهرها أثقال من الهموم وكل هذا لما يكتنزه ديوان الشاعرة من جمل شعرية وطفرات حسية للغوص في ماهية النفس وتشكيل نطاق شعري مميز وخاص بما عزفت وغنت لأجله الشاعرة هالة وما دونته في طيات ديوان شعر نثري حداثوية الحداثة في الشعر , وجاءت تجربتها من نحت أصابعها في الأدب والحفر في مكنونها حتى وصلت لمكنون المحيط بها مما أتاح لها تكوين خاص لذاتها ونسيج بخيوط من حرير تزخرف أحلامها وأمانيها فنراها تنحت بازميل حتى تصل بطموحها للأفضل .
أخيراً هذا الديوان المحدث يحمل هوية النثرية العربية للشاعرة المصرية هالة وهذه الهوية للنثرية العربية التي نبحث عنها بعيداً عن الطلاسم والنصوص الغارقة بالغموض والتي ترهق القاريء ويبين ديونها لنا ذات المرأة الشاعرة خاصة , رغم التنوع في اشتغال عدة مواضيع
من الحنين والشوق والابحار في زمن الرومنسية القديم وهو الزمن الجميل إلى الوجع والحزن والحرمان والنكران والتجاهل وهذا زمن التلون في سلوكيات البشر حتى تصل لهموم الانسان والوطن في بعض من قصائدها ,
وشعر بأن قصائدها الحديثة هي مشاعر متدفقة وأحاسيس مرهفة جياشة عميقة تحاول من تجربتها ومن خلالها أن ترسم لوحة تجسد فيها الشاعرة هالة بأهاتها وأنينها وأحلامها الطفولية بعيداً عن محيط ينكر فيه المرأة , فصبت نزيف اهتمامها على عاطفة مفقودة تأمل ان يتحقق الحلم يوماً , فكان الحس النسوي متوغلا في قصائدها الشعرية المموسقة والحداثية , وبهذا المختصر في الإبحار في ديوان الشاعرة لم استطيع الإضاء في الديوان مجتمعاً , فهناك الكثير من الاستعارات المكنية والمستويات الفنية الراقية في ثنايا الديوان وهذه الصور الشعرية تستحق الوقوف طويلاً فهناك جوانب صوتية صرفة وتراكيب معجمية ودلالات وايقاع داخلي رهيب .
وأخيراً : استمتعت بالقراءة للشاعرة وتبسمت للشعر وأقول بأنها تملك روح شاعرة وطاقة فنية معجونة بماء زهرة البنفسج وإبداع في اقتناص الرداء والرواء الشعري حتى الثمالة , أبارك للشاعرة هالة نور الدين بهذا المنجز الشعري النثري المتميز وأبارك لمصر بوجود شاعرة نثر من الطراز الرفيع , متمنيا لها المزيد من الإبداع والتألق والعطاء ,
مع تحيات محمد خالد النبالي : عضو اتحاد الكتاب الأردنيين ,
عمان / الأردن - 20/9/2016