الجُثَّةُ المُتفحِّمةُ
.
الإنفجارُ الَّذي هزَّ بغْداد
ذهب ضحيَّته
الكثير مِن شباب الحيّ
الَّذِين كانوا يزيِّنُون الشَّوارع
بخُطَاهم وقهقهَاتهم
صَارُوا مجرَّد صور معلَّقة بابتساماتٍ ثابتة
تحاصِر الذَّاكرة
تشدُّ الجُدران
تلعَنُ الوقت
هنا الكثير مِن الأنبياء
كانوا يحلُمون مثلنا
يحبُّون مثلنا
ويحملِون حزن الأرض مثلنا
كانت لهُم حَبيباتٌ وعائِلات
كانت لهُم أرقامُ هواتفَ خلويَّة
كلُّهم ماتوا وتركُوا قلوبنا تشيط.
تخرُج مِن عُيوننا ومسامَّات جُلودنا رائحة شِواء
حينما تأخَّرت سيَّارات الإسعاف
بكيْنا كثيرًا
أطفأنا الحريق
أنا فتحتُ حنفيَّة عينيّ
ليصل إلى أبعد جُثَّة متفحِّمة
قلتُ: مَن يطفئ الجثَّة الَّتي تحترقُ في داخلي
مَن يدلق عليها سطل ماءٍ واحد
أو دمعةً ثقيلة
مَن ينقذها
مَن يعانِقها ليخبرنا آخر وصاياها
هكذا تركُوها تحترقُ على مَهَل
واكتفَوا بفتحِ كاميرات هواتفهم
لتوثيق الدُّخان المُتصاعد مِن فَحْم جسدي.
(محمود العبسي)
تونس