هل أخبرتك أني عفوية ؟
إني أكذب .
أكذب بصدق كبير . كما قال درويش
سأخبرك بالحقيقة . هذا إن استطعت . فكما تعلم فلقد ضيعت لغتي حين قررت أن أتحدث أخيرا .
من قبل كنت أنسخ الحديث مما يمليه الظرف ، و أكرر ما يجب قوله حسب قانون العقل و المنطق . و أضع النتيجة مصفاة دقيقة لكل عبارة أتفوه بها .
فلم أكن أتكلم ..
حين قررت الكلام بتعثر واضح ، لاعبتني اللغة فجاريتها ، و لم أنتبه إلا و الكمائن أصبحت ورودا مغرية بالقطف . يفوح منها عطر الغواية المعتق . وأمضيت وقتا طويلا في محاولة قطفها و مازلت ..
ستفهم الآن لماذا لن أستطيع أن أكون عفوية :
لم أدخل الغرفة ، كانت هناك منذ البدء . كل ما قمت به هو محاولة لمس الحائط . و للغرابة كان أملسا و نظيفا و براقا . بدون أي إمكانية لتقشيره . فكان الكلام ينزلق عليه و يسقط عند قدمي . عندها انشغلت برنين سقوطه و نسيت العبارة .
النافذة الوحيدة التي حاولت استنساخ نفسها مرارا بلا جدوى ، تقبع بمكانها المعتاد . و كلما مددت بصري عبرها تتغير اللوحة .
الآن مثلا : هناك ضباب كثيف و أطياف تتحرك بتثاقل مريب . ولا سماء في الأفق . هناك فقط ضحكة بشعة تشبه تلك التي يلبسها مهرج لعين .
البارحة كانت هناك صبية تلوح لي بيدها الصغيرة و تبتسم . لكني تغافلت عنها . فالأطفال المبتسمين خطر مقلق على الدوام . خصوصا إن كانوا بالأبيض و الأسود .
تلك النافذة مريبة ، و لطالما أفزعني الضجيج القادم منها .
دعنا منها الآن و لنعد لعفويتي الكاذبة . فكما قلت لك كان الكلام ينزلق من الحائط البراق . و هذه العملية مشوشة و تجعلني أتوه عن المعنى . لذلك فما أقوله صادق حد الألم . و صادم لي قبل أي كان . و لا أستطيع رده بعد سقوطه . كل ما هنالك أني أحاول جمع شظاياه و إعادة ترتيبها بالقدر الذي لا تدميني بشكل واضح .
هل أكون كاذبة أو صادقة ؟ :
ما الفرق ؟ماذا نريد بالكلام أصلا ؟
المهم سأخبرك الحقيقة بشكل أوضح :
حين أجد أمامي درجا لأصعده ، بشكل غريب يتمدد كلما أحصيت درجاته . و عند أول خطوة عليه يبدأ في التلون و التعرج ، و عند كل منعطف تنفتح نافذة جديدة . و من فرط فضولي أستمر في الصعود .
الغريب أني حالما أتوقف أجدني عند الدرجة الأولى . ولا أحد هناك مطلقا .
وهذا ما أحاول قوله من البداية ، لكني عفوية أكثر من اللزوم اللازم لكي أحدثك بكلام صاذق .
كل ما هنالك أني أسألك : أينك ؟
.