جوزيف بو نصار ... من الإحتراف الراقي الى المدرسة الفنية
بقلم د. سليمان يوسف ابراهيم ، رسمتها اوغيت خيرالله ، نشرت في جريدة الأنوار على صفحتها الثقافية ، بتاريح 5-4-2017
إن كان المرسح ميدان الفنون، فإن الميل والموهبة يستحيلان للفنّان الحقّ: أُمَه وأباه! بخاصَةٍ إنّ نمّاها عِلماً وصقلهما ممارسةً ، حيث يغدو الفنّانُ ممثّلاً يطبع زمانه، بعد أن يكون قد رفع من شأن هوايته الى مصاف الإحتراف الرّاقي: فيتعملق على مدارجه ليغدو مدرسةً ومرجعاً !
هذا ما حصل للطّفل جوزيف بو نصّار الّذي سما بموهبته من حين تتبّعه لنبضها فيه ، منذ الثّانية عشرة من العمر، حيث انطلق ساعياً خلف ضالّته، التّمثيل متتبّعاً أثره، قارئاً نهماً عن أُصوله ، منابته، وسُبل الإرتقاء ... فما كان من المثابرة إلا أن كشفت أمامه الدَرب جليّاً نحو مدارج المرسح مُصراً على تحقيق ذاتٍ، بما أراد لها اللّه أن تكون عليه، غير آبهٍ لمناهضة أهلٍ استخفافاً يهوايته الّتي أهدتنا هذه الشّخصيّة المتأنّقة على رقيٍّ في الأداء والنُّطق والحضورالمرسحي قبل كلّ الأنواع التّمثيلية . وإن كان قد بدا مُجلِّياً بكل ما قدّم من أعمالٍ تلفزيونيّة وسينمائيّة، بقيت خمرته وخميرته ، معلّقة كامنة ، في دالية المرسح .
أروع ما في هذا الرّجل، أنّه فنّانٌ مُلتزمٌ قضايا مجتمعه بخاصةٍ، والإنسان بعامّةٍ. إنّه لا يسعى الى أي دورٍ ولا يقبله ما لم يشبهه ويساعده على ايصال رسالةٍ تحقّق هدفاً في مسيرة بناء المجتمع الإنساني. فما بين انطلاقته مع معلّمه منير دبس في العام 1967 وارتحاله إلى المعلّم الآخر "ييجي غرونفسكي" في بولندا، وانتقاله إلى باريس الّتي عاد منها إلى الحبيب لبنان في عام 1980، شأوٌ من الكفاح والمثابرة والإصرار، وتأسيسه أول فرقة مسرحيّة خاصّة به، والتي مقرّها في "الجديدة" من ضاحية بيروت الشّماليّة، الّتي أفرزت لنا مجتمِعةً هذا الكبير جوزيف بو نصّار، الّذي نشغف اليوم في تتبّع نتاجاته ...
فنّان شغوفٌ بالمرسح مولعٌ بأضواء الفن السَابع. أما التّلفزيون، ذاك الزّائر المقيم في منازلنا، فهو لا تستهويه كثيراً المُشاركة في نتاجاته، لأنه برأيه هو وسيلة للعرض الآني، لا استمرايّة في ما يقدّم، في زماننا الحاضر. فهو يرى أن المرسح هو الأبقى، هو الأصل، لأنّ العمل فيه جماعيّ هو، والممثّلون يحيّون مع بعضهم، كمن تضمّهم عيلةٌ واحدةٌ، يسهرون مجتمعين، على إنجاح العرض المرسحي. في حين أنّ الأعمال التلفزيونيّة تبقى من الفروع. أمّا الأفلام الّتي شارك فيها، شاركت جميعها في مهرجاناتٍ عالميّة، وقد حقّق عن دوره "الباشا" في مسلسل "نضال" جائزة التميُّز في مهرجان الموركس، كما عن دوره هو والفنّانة رولا حماده عن مشهدٍ تقاسماه في مُسلسل "غلطة معلّم". أمّا أنا، فأشهد على مصداقية جوزيف بو نصّار في دور رئيس الحزب، الوطني المتفاني، في مسلسل "العاصفة" حيث كان يريد أن يؤسّس وطناً صالحا لعيش الأجيال القادمة، ودوره "الطّبيب"’ في "العاصفة تهبّ مرتين "، الصديق الصّدوق الّذي يتحمّل المشاق عن صديقته نهلا راشد... أمّا آخر الشَهادات الحيّة، كانت تلك الّتي تحقّقت لي يوم التقيته في العاشر من حزيران من العام 2008، يوم مَرسَحَ نصوصاً جبرانيّةً، تقاسم تلاوتها هو والقديرة رنده الأسمر، بمرافقةٍ موسيقيّة من إبنه للفنّان "أنطوان بلابان"، إلقاءً على مرسح الأونيسكو تكريماً للطلاّب الفائزين، من لجنة تراث جبران، في ذكرى المئة والخمسة وعشرين على غيابه، حيث كانت قد أجرت مسابقة بين المدارس الثّانويَة. وابنتي، كانت قد فازت بالجائزة للمرة الثّانية يومها، وكنت من بين الأهل المدعوين للإحتفال بتكريمهم. فأنا على ثقةٍ، لو كان أعضاء لجنة الموركس من بين الحاضرين، لكانوا قد أعلنوا مباشرةً، خبر حيازة جوزيف بو نصّار ورنده الأسمر جائزتهم التقديريّة من غير تردُّدٍ، للمرّة الثّانية!
فهذا الثقيف الحصيف، لا يتوانى البتّة بكياسته أن يحفظ مكانة وأهمّية دور زوجته الشّاعرة والصحافية إبنة الكبير أُنسي الحاج، على ما كان لها من مساهمةٍ في مواكبة مشوار ارتقائه مدارج التّمثيل، حيث كانت تلاقيه مُثنيةً على جهوده، ترجمةً واقتباساً لنصوصٍ مسرحيّةٍ، جعلاهما ثنائيّاً ناجحاً : يعيشان في جوٍّ شاعريٍّ ثقاقيٍّ يتلاءم ومواهبهما فتنمو وتضطرد، منبثقاً عنهما عيلةً فنّيةً مثقّفةً، يعتزّان بجني نجاحاتها معاً.
تحيّة الوفاء إليك، والتّقدير تمايزاً لشخصك، جوزيف بو نصّار، من ريشة الرسّامة أوغيت خيرالله وكاتب هذه السّطور، فنّاناً ممثّلاً، ما شاء يوماً إلاّ أن ينقلَ مواجع الإنسان محاولاً معالجتها، ملتزماً قضاياه، وقد حقَّقتَ فأبدعتَ!!