كبرتُ وصرتُ أجالسُ المرآة كثيراً، لا لتحسينِ ملامحي وإنّما للبحثِ بتأننٍ عن عيوبِ وجهي وأثار التعب فيهِ فأضمها إلى صدري وأغني لها، فاليومَ أراها أوسمةً وضعتْ بيد القدر لِتُذكرني دائما بتميزي الطفيف وإنجازاتي البسيطة مُذ كنتُ بذرةً داخل رحمكِ إلى أن صرتُ اليوم شجرة ...
لا تضحكي يا أمي ولا تتعجبي أني شجرة، فمرة أكون شجرة ومرةً فراشة ومراتٍ عدّة لا أكون أكثرَ من جسرٍ للعبور والنجاة ...
كبرتُ يا أمي وجاءَ موعد الإعتراف أنَّ سيجارتي الأولى كانت شهوةَ مراهقةٍ صغيرة، والثانية لتكرار التجربة أما اليوم فسيجارتي الألف هي لإخمادِ ما يمكن إخماده من حزنٍ داخل صدري، حزينة كنتُ فلا يغركي وجهي الضاحك هذا، فوجهي الحقيقي أرتديه ما إن تخلدين للنوم فأنجو من ذنب حزنك عليَّ وأعود عاريةً بحزني للصلاة أمام عيونِ الله فقط ..
اليومَ كبرتُ، كبرتُ جداً وصار بإمكاني إجابةَ سؤالكِ المتكرر : " لماذا أراكِ تكتبينَ فقط لحظات حزنك ؟ "
أمسِ لم أجبكِ لكن اليوم أقول بثقةٍ : " الفرح لا يصنعُ كاتبا يا أمي، الفرح لا يصنع كاتب "
أنا أكتب فقط لأجلِ عينيكِ، فأنْ أُلقي ما بداخلي من فوضى على الورق معناه أني أولد من جديد، أحبّ مرحلة إنسلاخ جلدي المتكرر فكل مرةٍ أعود إليكِ بجلدٍ أكثر نضارةٍ وقوةٍ وصلابة، أحبّ مرحلة تحويل صمتي لعباراتٍ قد لا تصلُ للكثير لكنها ببساطتها وفوضويتها وعوفيتها تكون قشةَ إنقاذ قلبي من الغرق ببحر خيبةٍ جديدة، فذنبكِ الوحيد يا أمي أنكِ ولدتني بقلبٍ أكبر من صدري، فكنتُ كلما كبرتُ يوماً صار أكبر مني بعشرات الأيام إلى أن صرتُ اليوم قلباً بأنامل وأقدام وعيون وبعض الضحكات .. وما يغفرُ لكِ بالجهة المقابلة أنّكِ علمتي هذا القلب القوةَ والثباتَ والتشبثَ بحلمهِ والتحليقَ عاليا بعد كل سقوط، فصرتُ وإيّاهُ كما أخبرتُكِ شجرةً ثابتةً راسخة، تحبّ مرحلة تبدل الفصول من حولها وتعلمُ جيداً أنّ الخريف ما جاء إلا ليبشرها بقدوم فصل جديدٍ هو فصل المطر، فصل الحياة ..
في الخامس من نوفمبر لهذا العام إذ أكملتُ عاميَ الخامس والعشرين ..
#إحدى_رسائل_نوفمبر
#رهام_سكاف