عَالمٌ غريبٌ
وما زلتُ تلكَ الطفلة التائهةً مُذّ هَربتُ مِنْ إحدَى حِكاياتكِ يا جَدتي،
ربّمَا حينما كنتُ أعدو في إحدى الحقُولِ وراءَ تلكَ الفراشةِ المُلونةِ، وشردتُ لحظةً بسربِ طيورٍ مُهاجرةٍ، مَاكدّتُ أتساءَلَ أينَ كانت
مواطنهم الأصليّة، وإلى أينَ وجهتهم الآن ؟!
حتّى تعثرتُ وأضعتُ حذائيّ الطّفوليّ الّذي أُحِبُّ، واختفى كما في الحكايا..
كبرتُ بلمحِ البصرِ ياجدتي، تاهَ الدّرب مِنّي وتهتُ عَنْ زماني ومَكاني،
لمْ أجد فَراشتي الجميلة، ولمْ أجد مكَاناً لي ..
ليتَني لمْ أصل إلى هَذا العَالم الغَريب، لم تعجبني حَكاياه يا جدتي
الوقتُ هُنا يَمضي أسرعَ مِنَ الخَيال، فالطفلُ يَكبرُ قبلَ الآوان،
والأعمارُ هُنا جداً قَصيرة، أمّا الحُروبُ فقصتها طَويلة طَويلة ..
للحروبُ هُنا الحصة الأكبر من الحياة، فهي تختصرُ كلَّ مَراحلِ العُمر عُنوةً، بَل و تختصرُ كلّ الحَكَايا وكلّ شيءٍ
ليتَني أستطيعُ التقاطَ طرفِ ثَوبكِ العتيق يا جدتي، لأتمسكَ بهِ كما كنتُ أفعل، وأستدّلُ لطريقِ العودةِ، وأعودُ حافيةً إلى ذاكَ العَالم الأجمل.
----------------------------