لن أرحل، لن أغادر، ولن أحتمي في كهف، ولن أتعفن وحيدًا عند مجرى النهر. لن ألاحق الظلال بعد الآن، ولن أتبع الرب القديم الذي يعلق حول عنقه سلاسل من عظام ويتجول في الغابة. سأبقى هنا، حيث لا يزعجني البقاء ولا يسرني. أشعل نارًا وأخلق قبائل ترقص حولها.. ما أجمل النار حين لا تنبع من داخل المرء.. ما أجمل أن يكون المرء معافًا، غير ناقم على معافاته.. ألا يشعر بألم بالغ، وأن يمقت فكرة أن يحب المرء آلامه، ويمتزج بها. ابق بعيدًا أيها الألم، مثل ثعبان ندفعه بأقدامنا.
الآلهة خرجوا يقرعون طبولهم، ولن أتبعهم.. في قلبي شرارة أطفئها، وتحت أقدامي مشي كثير، لأجل الفداء. لكني أربطها في جذوع الأشجار، حتى يمرّوا. لن أتبعهم، لن أغني التراتيل، ولن أفتح عيني للشمس ولن أتطلع إلى أبعد من مكان للنوم وخشائش تختبئ فيها الأرانب وأعواد الصيد وحجارة لإشعال النيران.
سأحرص أن أصير عجوزًا، أن أمضي بعمري حتى نهايته، وسأردد بأني كنت لأصير نبيًا في شبابي، لولا أني آثرت صيد الأرانب.
احتقرت المجد، واخترت العيش الغريزيّ، أن يكون إلهي هو ما يبقيني حيًا.. نيران، سهام لصيد الغزلان، وأرانب في الشباك.
تجنبت النبوة، وقلت: أعرف كل شيء، ولا أبالي.
قتلت ملوكًا لم يأتوا، وأفنيت ممالك لم تأت، ولم أعط للآخرين شيئًا، لم أحرك درعا ولا ذراعًا، ولم أنطق بلغة، همهمت، كي لا يقول الآخرون: قال. لم أقل، تواريت في النهار، وكانت يقظتي ليلًا، كي لا ينتبهوا إلى صوت الإله في كلامي، وفي مشيي، وكي لا يقولوا: فعل، ويفعلوا مثلي.
تركت العالم على حاله، وهذا مجد آخر، أباهي به. جنبت العالم آلامًا كثيرة، جنبت الآخرين شتاتًا، وأخفيت عنهم الأذى، أنقذتهم من المعرفة، وتركتهم يغسلون ثيابهم عند النهر، ويهشون الثعالب. تركت الأرض، خضراء، ورحلت خفية في الليل.. لم أترك أثرًا، دخانًا إثر نار البارحة أو صيدًا مخبأ تحت الأوراق.. رحلت خفيفًا، حاملًا صوتي، مكتومًا، كما جئت به، لم أفرغه.. حاملًا وهجي، حاملًا رسالاتي.. قلت شعرًا، لكن لم يكن شعرًا كثيرًا، كان محض بداية، ثم نفضت يديّ... ولن أقول بعد الآن شعرًا.
آلاء حسانين- مصر
