المحكمة....
عندما تسدل السماء الستارة المكتحلة بالسواد وتلمع نجومها ويتغلغل الصمت في مملكتي، عندها يحين الموعد المنتظر .... موعدي مع مرآتي الخيالية ،أقص عليها أخباري ،أكلمها عن أحوالي و ارسم البسمة على
ثغرها بفرحي وضحكي .أشكو لها همومي و الامي، أبكي لها ذنوبي واشاركها أفكاري. فتسقط عني كل الاحاسيس والمشاعر والافكار والخواطر. أقف عارية أمامها، لا شيء يستر عورة ذاتي أمام عينيها! إن
عري هذا لا يشوبه الحياء ، فهو كعري المحبوبة للحبيب الغالي !!!
أما ذاتي فما هي إلا قلبي وعقلي مجتمعين معاً . تدق ساعة الحساب ؛ فتقف ذاتي العارية منتظرة، وبعينيها الناعسة تجوب ارجاء الجسد !!! فأذا بالروح
تعتلي المنصة بجلالها ووقارها، وتجلس على كرسي "القاضي" . يأتي الضمير ويبدأ مرافعته بصفته "المدعي العام"، ويطلب من مرآتي "الشاهدة" أن تقص على "القاضي "ما سمعته مني عن "المتهمة" وهي ذاتي !!! حينها،
قلبي وعقلي يكونان في حالة من الذهول مما يسمعان؛ فالقلب تتسارع خفقاته باحاسيسه و مشاعره ، والعقل يبدأ ضمنياً بمراجعة شاملة ويطلق توقعاته بالنتائج بصمت . و عند انتهاء " الشاهدة" من الإدلاء بشهادتها ، يعطي
القاضي الكلام "لمحامي الدفاع " . وهنا المفارقة المضحكة، فالعقل يقوم بالمدافعة عن القلب والعكس بالعكس !!! من ثم يأتي دور جلالة "القاضي" الموقر ، فتطلق" الروح " احكامها العادلة؛ وتعطي صلاحيات المعاقبة أو
المكافأة "للمدعي العام ". يعلن الحاجب إنتهاء المحكمة!!!! فينصرف الضمير إلى لعب دوره الجديد الذي يتقنه بامتياز وهو "الجلاد " أو "المكافىء" حسبما تقتضي الحاجة .
ارضخ لحكم روحي وضميري ؛ إما يعذبني أو
يواسيني ، يبكيني أو يضحكني أو يثني علي . يبقى حالي على هذا المنوال إلى أن تأتي "ملكة الليل" وترحمني بسلبها الوعي مني . فاغرق في بحور السبات الآني، حيث تتلفقني أمواج الأحلام بحلوها أو بمرها.
سُما أحمد الرفاعي